فصل: فائدة: طرق انعقاد الإمامة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

الظاهر أن الأرض التي في الآية جميع الأرض من المشرق إلى المغرب وروى عبد الرحمن بن سابط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: دحيت الأرض من مكة وكانت الملائكة تطوف بالبيت وهم أول من طاف به وهو في الأرض التي قال الله تعالى: {إِنّي جَاعِلٌ في الأرض خَلِيفَةً} والأول أقرب إلى الظاهر. اهـ.
قال الفخر:
اختلفوا في أن المراد من قوله: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ للملائكة إِنّي جَاعِلٌ في الأرض خَلِيفَةً} كل الملائكة أو بعضهم فروى الضحاك عن ابن عباس أنه سبحانه وتعالى إنما قال هذا القول للملائكة الذين كانوا محاربين مع إبليس لأن الله تعالى لما أسكن الجن الأرض فأفسدوا فيها وسفكوا الدماء وقتل بعضهم بعضًا بعث الله إبليس في جند من الملائكة فقتلهم إبليس بعسكره حتى أخرجوهم من الأرض وألحقوهم بجزائر البحر فقال تعالى لهم: {إِنّي جَاعِلٌ في الأرض خَلِيفَةً} وقال الأكثرون من الصحابة والتابعين أنه تعالى قال ذلك لجماعة الملائكة من غير تخصيص لأن لفظ الملائكة يفيد العموم فيكون التخصيص خلاف الأصل. اهـ.
قال الفخر:
الخليفة من يخلف غيره ويقوم مقامه قال الله تعالى: {ثُمَّ جعلناكم خلائف في الأرض} [يونس: 14].
{واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء} [الأعراف: 69] فأما أن المراد بالخليفة من؟ ففيه قولان: أحدهما: أنه آدم عليه السلام.
وقوله: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} المراد ذريته لا هو، والثاني: أنه ولد آدم، أما الذين قالوا المراد آدم عليه السلام فقد اختلفوا في أنه تعالى لم سماه خليفة وذكروا فيه وجهين:
الأول: بأنه تعالى لما نفى الجن من الأرض وأسكن آدم الأرض كان آدم عليه السلام خليفة لأولئك الجن الذين تقدموه.
يروى ذلك عن ابن عباس.
الثاني: إنما سماه الله خليفة لأنه يخلف الله في الحكم بين المكلفين من خلقه وهو المروي عن ابن مسعود وابن عباس والسدي وهذا الرأي متأكد بقوله: {إِنَّا جعلناك خَلِيفَةً في الأرض فاحكم بَيْنَ الناس بالحق} [ص: 26] أما الذين قالوا المراد ولد آدم فقالوا: إنما سماهم خليفة لأنهم يخلف بعضهم بعضًا وهو قول الحسن ويؤكده قوله: {وَهُوَ الذي جَعَلَكُمْ خلائف الأرض} والخليفة اسم يصلح للواحد والجمع كما يصلح للذكر والأنثى وقرئ خليقة بالقاف.
فإن قيل ما الفائدة في أن قال الله تعالى للملائكة: {إِنّي جَاعِلٌ في الأرض خَلِيفَةً} مع أنه منزه عن الحاجة إلى المشورة والجواب من وجهين:
الأول: أنه تعالى علم أنهم إذا اطلعوا على ذلك السر أوردوا عليه ذلك السؤال فكانت المصلحة تقتضي إحاطتهم بذلك الجواب فعرفهم هذه الواقعة لكي يوردوا ذلك السؤال ويسمعوا ذلك الجواب.
الوجه الثاني: أنه تعالى علم عباده المشاورة. اهـ.

.قال القرطبي:

هذه الآية أصلٌ في نَصْب إمامٍ وخليفة يُسْمَع له ويطاع؛ لتجتمع به الكلمة، وتنفذ به أحكام الخليفة.
ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة ولا بين الأئمة إلا ما رُوي عن الأصَمّ حيث كان عن الشريعة أصَمَّ، وكذلك كل من قال بقوله واتبعه على رأيه ومذهبه، قال: إنها غير واجبة في الدين بل يسوغ ذلك، وأن الأمة متى أقاموا حجهم وجهادهم، وتناصفوا فيما بينهم، وبذلوا الحق من أنفسهم، وقسموا الغنائم والفَيء والصدقات على أهلها، وأقاموا الحدود على مَن وجبت عليه، أجزأهم ذلك، ولا يجب عليهم أن ينصبوا إمامًا يتولّى ذلك.
ودليلُنا قولُ الله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً} وقوله تعالى: {ياداود إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض} [ص: 26]، وقال: {وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض} [النور: 55] أي يجعل منهم خلفاء، إلى غير ذلك من الآي.
وأجمعت الصحابة على تقديم الصدّيق بعد اختلاف وقع بين المهاجرين والأنصار في سَقِيفة بني ساعدة في التعيين، حتى قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير؛ فدفعهم أبو بكر وعمر والمهاجرون عن ذلك، وقالوا لهم: إن العرب لا تدين إلا لهذا الحيّ من قريش، ورووا لهم الخبر في ذلك، فرجعوا وأطاعوا لقريش.
فلو كان فرض الإمامة غير واجب لا في قريش ولا في غيرهم لما ساغت هذه المناظرة والمحاورة عليها، ولقال قائل: إنها ليست بواجبة لا في قريش ولا في غيرهم، فما لتنازعكم وجه ولا فائدة في أمر ليس بواجب.
ثم إن الصدّيق رضي الله عنه لما حضرته الوفاة عهد إلى عمر في الإمامة، ولم يقل له أحد هذا أمر غير واجب علينا ولا عليك؛ فدلّ على وجوبها وأنها ركن من أركان الدِّين الذي به قوام المسلمين، والحمد لله رب العالمين.
وقالت الرافضة: يجب نصبه عقلًا، وإن السمع إنما ورد على جهة التأكيد لقضية العقل؛ فأما معرفة الإمام فإن ذلك مدرَك من جهة السمع دون العقل.
وهذا فاسد؛ لأن العقل لا يوجب ولا يحظر ولا يُقبِّح ولا يُحسِّن؛ وإذا كان كذلك ثبت أنها واجبة من جهة الشرع لا من جهة العقل، وهذا واضح.
فإن قيل: إذا سُلِّم أن طريق وجوب الإمامة السمع، فخبّرونا هل يجب من جهة السمع بالنص على الإمام من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم، أم من جهة اختيار أهل الحَلّ والعَقد له، أم بكمال خصال الأئمة فيه، ودعاؤه مع ذلك إلى نفسه كاف فيه؟
فالجواب أن يقال: اختلف الناس في هذا الباب، فذهبت الإمامية وغيرها إلى أن الطريق الذي يُعرف به الإمام هو النص من الرسول عليه السلام ولا مدخل للاختيار فيه.
وعندنا: النظر طريق إلى معرفة الإمام، وإجماع أهل الاجتهاد طريق أيضًا إليه؛ وهؤلاء الذين قالوا لا طريق إليه إلا النص بَنَوْه على أصلهم أن القياس والرأي والاجتهاد باطل لا يُعرف به شيء أصلًا، وأبطلوا القياس أصلًا وفرعًا.
ثم اختلفوا على ثلاث فرق: فرقة تدّعي النص على أبي بكر، وفرق تدّعي النص على العباس، وفرقة تدّعي النص على عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم.
والدليل على فقد النص وعدمه على إمام بعينه هو أنه صلى الله عليه وسلم لو فرض على الأمة طاعةً إمام بعينه بحيث لا يجوز العدول عنه إلى غيره لعلم ذلك؛ لاستحالة تكليف الأمة بأسرها طاعة الله في غير معيّن، ولا سبيل لهم إلى العلم بذلك التكليف؛ وإذا وجب العلم به لم يَخْل ذلك العلم من أن يكون طريقه أدلّة العقول أو الخبر، وليس في العقل ما يدل على ثبوت الإمامة لشخص معيّن، وكذلك ليس في الخبر ما يوجب العلم بثبوت إمام معيّن؛ لأن ذلك الخبر إما أن يكون تواترًا أوجب العلم ضرورةً أو استدلالا، أو يكون من أخبار الآحاد؛ ولا يجوز أن يكون طريقه التواتر الموجب للعلم ضرورةً أو دلالة، إذ لو كان كذلك لكان كل مكلّف يجد من نفسه العلم بوجوب الطاعة لذلك المعيَّن وأن ذلك من دين الله عليه، كما أن كل مكلّف علم أن من دين الله الواجب عليه خمس صلوات، وصوم رمضان، وحج البيت ونحوها؛ ولا أحد يعلم ذلك من نفسه ضرورة، فبطلت هذه الدعوى، وبطل أن يكون معلومًا بأخبار الآحاد لاستحالة وقوع العلم به.
وأيضًا فإنه لو وجب المصير إلى نقل النص على الإمام بأيّ وجه كان، وجب إثبات إمامة أبي بكر والعباس؛ لأن لكل واحد منهما قومًا ينقلون النّص صريحًا في إمامته؛ وإذا بطل إثبات الثلاثة بالنص في وقت واحد على ما يأتي بيانه كذلك الواحد، إذ ليس أحد الفِرق أوْلى بالنص من الآخر.
وإذا بطل ثبوت النّص لعدم الطريق الموصل إليه ثبت الاختيار والاجتهاد.
فإن تعسّف متعسِّف وادعى التواتر والعلم الضروري بالنصّ فينبغي أن يقابَلوا على الفَور بنقيض دعواهم في النّص على أبي بكر وبأخبار في ذلك كثيرة تقوم أيضًا في جملتها مقام النص؛ ثم لا شك في تصميم مَن عدا الإماميّة على نفي النّص؛ وهم الخلق الكثير والجمّ الكثير والجمّ الغفير.
والعلم الضروري لا يجتمع على نفيه من ينحطّ عن معشار أعداد مخالفي الإمامية؛ ولو جاز ردّ الضروري في ذلك لجاز أن ينكر طائفة بَغداد والصين الأقصى وغيرهما.

.فائدة في ردّ الأحاديث التي احتج بها الإمامية في النّص على عليّ رضي الله عنه، وأن الأمة كفَرت بهذا النّص وارتدت، وخالفت أمر الرسول عنادًا:

منها قوله عليه السلام: «مَن كنتُ مولاه فعليّ مولاه اللَّهُمّ والِ من والاه وعادِ مَن عاداه» قالوا: والمَوْلى في اللغة بمعنى أوْلَى؛ فلما قال: «فعليّ مولاه» بفاء التعقيب عُلم أن المراد بقوله: مولى أنه أحق وأوْلى.
فوجب أن يكون أراد بذلك الإمامة وأنه مفترض الطاعة؛ وقوله عليه السلام لعليّ: «أنت مِنّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيّ بعدي» قالوا: ومنزلة هارون معروفة، وهو أنه كان مشاركًا في النبوّة ولم يكن ذلك لعليّ، وكان أخًا له ولم يكن ذلك لعلي، وكان خليفة؛ فعُلِم أن المراد به الخلافة، إلى غير ذلك مما احتجوا به على ما يأتي ذكره في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
والجواب عن الحديث الأوّل: أنه ليس بمتواتر، وقد اختلف في صحته، وقد طعن فيه أبو داود السّجستاني وأبو حاتم الرازيّ، واستدلا على بطلانه بأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «مُزَيْنَةُ وجُهَيْنَةُ وغِفَارُ وأَسْلَمُ مواليّ دون الناس كلهم ليس لهم مَوْلًى دون الله ورسوله» قالوا: فلو كان قد قال: «مَن كنتُ مولاه فعليّ مولاه» لكان أحد الخبرين كذبًا.
جواب ثان: وهو أن الخبر وإن كان صحيحًا رواه ثِقةٌ عن ثِقَة فليس فيه ما يدل على إمامته، وإنما على فضيلته، وذلك أن المولى بمعنى الوليّ، فيكون معنى الخبر: مَن كنت وَلِيّه فعليّ وَلِيّه؛ قال الله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ} [التحريم: 4] أي وَلِيّه.
وكان المقصود من الخبر أن يعلم الناس أن ظاهر عليّ كباطنه، وذلك فضيلة عظيمة لعليّ.
جواب ثالث: وهو أن هذا الخبر ورَد على سبب، وذلك أن أسامة وعليًّا اختصما، فقال عليّ لأسامة: أنت مولاي.
فقال: لستُ مولاك، بل أنا مَوْلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ فذكر للنبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: «مَن كنُت مولاه فعليّ مولاه» جواب رابع: وهو أن علًّيا عليه السلام لما قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم في قصة الإفْك في عائشة رضي الله عنها: النساء سواها كثير.
شقّ ذلك عليها، فوجد أهل النفاق مجالًا فطعنوا عليه وأظهروا البراءة منه؛ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم هذا المقال ردًّا لقولهم، وتكذيبًا لهم فيما يقدموا عليه من البراءة منه والطعن فيه؛ ولهذا ما روي عن جماعة من الصحابة أنهم قالوا: ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ببغضهم لعليّ عليه السلام.
وأما الحديث الثاني فلا خلاف أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يُرِد بمنزلة هارون من موسى بالخلافة بعده، ولا خلاف أن هارون مات قبل موسى عليهما السلام على ما يأتي من بيان وفاتيهما في سورة المائدة وما كان خليفةً بعده وإنما كان الخليفة يوشع بن نون؛ فلو أراد بقوله: «أنت مِنّي بمنزلة هارون من موسى» الخلافة لقال: أنت مني بمنزلة يوشع من موسى، فلما لم يقل هذا دلّ على أنه لم يُرد هذا، وإنما أراد أني استخلفتك على أهلي في حياتي وغيبوبتي عن أهلي، كما كان هارون خليفةَ موسى على قومه لمّا خرج إلى مناجاة ربّه.
وقد قيل: إن هذا الحديث خرج على سبب، وهو أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى غَزْوة تَبُوك استخلف عليًّا عليه السلام في المدينة على أهله وقومه؛ فأرجف به أهل النفاق وقالوا: إنما خلفه بُغْضًا وقِلًى له، فخرج عليّ فلحق بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وقال له: إن المنافقين قالوا كذا وكذا فقال: «كذبوا بل خلفتك كما خلف موسى هارون».
وقال: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى» وإذا ثبت أنه أراد الاستخلاف على زعمهم فقد شارك عليًّا في هذه الفضيلة غيره؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم استخلف في كل غَزاةٍ غزاها رجلًا من أصحابه، منهم: ابن أمّ مَكْتُوم، ومحمد بن مَسْلَمة وغيرهما من أصحابه، على أن مدار هذا الخبر على سعد بن أبي وَقّاص وهو خبرُ واحدٍ.
وروى في مقابلته لأبي بكر وعمر ما هو أولى منه.
ورُوي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما أنفذ معاذ بن جبل إلى اليمن قيل له: ألا تنفذ أبا بكر وعمر؟ فقال: «إنهما لا غنى بي عنهما إن منزلتهما مني بمنزلة السمع والبصر من الرأس».
وقال: «هما وزيراي في أهل الأرض» ورُوي عنه عليه السلام أنه قال: «أبو بكر وعمر منِّي بمنزلة هارون من موسى» وهذا الخبر ورد ابتداء، وخبر عليّ ورد على سبب، فوجب أن يكون أبو بكر أوْلى منه بالإمامة، والله أعلم.

.فائدة: طرق انعقاد الإمامة:

واختلف فيما يكون به الإمام إمامًا وذلك ثلاث طرق:
أحدها: النص، وقد تقدّم الخلاف فيه، وقال فيه أيضًا الحنابلة وجماعة من أصحاب الحديث والحسن البصري وبكر ابن أخت عبد الواحد وأصحابه وطائفة من الخوارج.
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نصّ على أبي بكر بالإشارة؛ وأبو بكر على عمر.
فإذا نص المستخلف على واحد معين كما فعل الصدّيق، أو على جماعة كما فعل عمر، وهو الطريق الثاني؛ ويكون التخيير إليهم في تعيين واحد منهم كما فعل الصحابة رضي الله عنهم في تعيين عثمان بن عفان رضي الله عنه.
الطريق الثالث: إجماع أهل الحلّ والعَقْد؛ وذلك أن الجماعة في مصرٍ من أمصار المسلمين إذا مات إمامهم ولم يكن لهم إمام ولا استخلف فأقام أهل ذلك المصر الذي هو حضرة الإمام وموضعه إمامًا لأنفسهم اجتمعوا عليه ورَضُوه فإن كل مَن خلفَهم وأمامَهم من المسلمين في الآفاق يلزمهم الدخول في طاعة ذلك الإمام؛ إذا لم يكن الإمام معلنًا بالفسق والفساد؛ لأنها دعوة محيطة بهم تجب إجابتها ولا يسع أحد التخلف عنها لما في إقامة إمامين من اختلاف الكلمة وفساد ذات البَيْن؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث لا يِغل عليهنّ قلبُ مؤمنٍ إخلاصُ العمل لله ولزومُ الجماعة ومناصحةُ ولاةِ الأمر فإن دعوة المسلمين من ورائهم محيطة».
الثامنة: فإنْ عَقَدها واحد من أهل الحَلّ والعَقْد فذلك ثابت ويلزم الغير فعله، خلافًا لبعض الناس حيث قال: لا تنعقد إلا بجماعة من أهل الحلّ والعقد؛ ودليلنا أن عمر رضي الله عنه عقد البَيعة لأبي بكر ولم يُنكر أحد من الصحابة ذلك؛ ولأنه عَقْد فوجب ألا يفتقر إلى عدد يعقدونه كسائر العقود.
قال الإمام أبو المعالي: من انعقدت له الإمامة بعقد واحد فقد لزمت، ولا يجوز خلعه من غير حَدَث وتغيّر أمر؛ قال: وهذا مُجْمعٌ عليه.
فإن تغلب مَن له أهليّة الإمامة وأخذها بالقهر والغَلَبة فقد قيل إن ذلك يكون طريقًا رابعًا؛ وقد سُئل سهل بن عبد اللَّه التُّسْتَرِي: ما يجب علينا لمن غلب على بلادنا وهو إمام؟ قال: تجيبه وتؤدّي إليه ما يطالبك من حقه، ولا تنكر فعاله ولا تفرّ منه، وإذا ائتمنك على سِرّ من أمر الدِّين لم تُفْشه.
وقال ابن خُوَيْزِ مَنْداد: ولو وثب على الأمر من يصلح له من غير مشورة ولا اختيار وبايع له الناس تمّت له البَيْعة، والله أعلم.